يدرك المعايش للمجال التشكيلي كم هي معقدة عملية إصدار الأحكام الفنية على قيمة عمل فني دون الآخر، حيث وتبعاً للطبيعة البشرية فإن الذوق الشخصي للناقد يوجه الكثير من التفضيلات الفنية لديه، والتي تجعل من الموضوعية في النقد شيئا محالاً، في حين أجتهد الكثير من المفكرين والفلاسفة في مجال النقد الفني من أجل تصنيف و فلترة تلك العملية فطرحوا الكثير من الرؤى والمعايير التي تحدد القيمة الجمالية للعمل الفني، إلا أننا نجد تلك الأفكار قد تتعارض مع بعضها أو تعود للتوافق بين حقبة زمنية وأخرى تبعا للمتغيرات التي تحدث في تاريخ الحياة البشرية عموما.
فمن سياق النقد التاريخي الذي يتناول العمل الفني ضمن منظومته التاريخية إلى النقد الاجتماعي الذي يربط قيمة العمل بمدى ملامسته لواقع المجتمع وصدق تعبيره عن قضاياه وهمومه، أو النقد السياقي الذي يحلل العمل ضمن كل ما حوله من ظروف، وهناك من أعطى للفنان دور مؤثر في تقدير العمل من خلال النقد القصدي الذي يربط العمل بصاحبه فقط بعيدا عن بقية الظروف، وصولا إلى النقد الشكلي الذي ينظر إلى العمل على أنه مجموعة من العناصر الفنية كاللون والخط والمساحات والملمس ومدى قيمتها التعبيرية دون النظر إلى السياق أو الفنان ذاته.
وكم هي معقدة ٌ تلك العملية على ساحتنا التشكيلية المحلية على وجه التحديد، باعتبار ندرة وجود نقاد متخصصين أو أكاديميين قادرين على استيعاب معطيات مرحلة فنية وأخرى، وسياق عمل فني دون الآخر، والإلمام بكل اتجاه وأسلوب فني، وشمول المعرفة بعلم الجمال وتاريخ الفن وثقافات الأمم وتطور الحضارات والحركات الفنية السابقة، مع معايشه الظروف المحيطة السياسية أو الاقتصادية التي تضع بصمتها في إبداع الأعمال التشكيلية السعودية على وجده التحديد، وكما أننا بحاجة لوجود النقد الصحيح لكي يمكن إنصاف الأعمال الإبداعية المميزة مما دونها، في ظل الانفتاح الكبير لممارسة الفن التشكيلي للمبدعين في مناطق مملكتنا الحبيبة، فأنه و بالتأكيد سيؤدي غياب النقد السليم مع هذه الطفرة إلى حالة من الفوضى و الإرباك، في مسار الحركة التشكيلية المحلية التي نأمل دائما في ظهورها بالشكل الأمثل.
وان كانت عملية النقد تثري المتلقي في فهم أبعاد العمل الفني إلا أن أكثر من يشعر بأهمية الحاجة لذلك هو الفنان التشكيلي نفسه، بغية الارتقاء بنفسه والحصول على قراءة صحيحة لأعماله وليس لشخصه، ليقف على الايجابيات والسلبيات ويمحصها بنفسه ليخرج برؤى تحمل فكراً وأداءً أكثر نضجا. وفي المقابل وفي ساحتنا المحلية كيف سيتقبل الفنان، هذا النقد الموجه له غير مكتمل الأدوات، هل سيكون لرحابة الصدر وجودها حينذاك.....ربما.
مجلة الفنون العدد 43
اكتوبر 2010
0 التعليقات:
إرسال تعليق