التشكيلي السعودي الأصيل..الرزيزاء أنموذجاً

الفنون العدد54

 حنان الهزاع.

يعتبر الفن التشكيلي اليوم بمجالاته المتعددة إحدى اللغات المشتركة حول العالم، فهو لغة لها رموزها ودلالتها التي تحمل التجربة الإنسانية الممتزجة بحياة الشعوب وخلاصة ثقافتها، ولذلك كانت فنون كل حضارة بمثابة مرآة تعكس ملامح هويتها الخاصة، وفي وقتنا الحالي ومع امتزاج الثقافات في زمن العولمة والتقدم السريع في المعرفة والتقنية؛ أصبح مجال الفن التشكيلي يخضع لمثل هذه التداخلات وأصبح الفنان يجد صعوبة في التناغم بين الأصالة والمعاصرة، فيحتار في أمره بين أن يتمسك بجذوره وهويته الأصيلة وبين أن يتماهى مع ما حوله من تقدم وتطور في الأساليب الفنية التي تنهال عليه بغزارة من كل جانب، كما أن المؤثرات البصرية لها دور غاية في الأهمية عند اختيار الموضوع المطروح عبر المنجز التشكيلي، أيضا في طريقة المعالجة التعبيرية لتفاصيل جزئيات الموضوع المادية او المعنوية، التي قد تشوبها بعض المؤثرات الخارجية سواء بقصد أو بدونه.
ويعد الفن التشكيلي في المملكة حديثاً نوعاً ما إذا ما قورن بغيره في الدول الأخرى، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود فنون ضاربة في الجذورعلى أرض الجزيرة العربية قبل آلآف السنين، لكن الفن التشكيلي السعودي المعاصر والمعروف حاليا منذ أكثر من خمسين عاما هو ما أعنيه هنا، وهناك عدد من التشكيليين الرواد كانت لهم البصمة المميزة والخصوصية التي تعد انعكاسا للهوية المحلية؛ فعالجوا بنجاح قضاياهم التشكيلية على ركائز الأصالة المتبلورة من ركائز تراثنا البهي.

كما أن تراثنا الشعبي المتميز بغناه الجمالي كان ولا زال مصدر إلهام لعدد من التشكيليين، فتناوله البعض منهم بطريقة توثيقية واقعية في حين أن أخرين عاشوا معه بأسلوب رمزي أو تجريدي. وعند استعراض بعض أسماء أولئك المبدعين فأننا نقف دهشةً وإحتراما ًأمام تجربة مكتنزة ومتميزة من نوعها قدمها التشكيلي السعودي علي الرزيزاء، بالكاد نجد لها مثيلا عالمياً يضاهيها في قوتها وتفردها.

الرزيزاء الذي صقل موهبته في كلية فنون إيطالية والذي استمد من التراث المعماري النجدي مصدر إلهام لديه لسنوات، قدم فيها نتاجه الغزير المتفرد والأصيل المتميز الذي ما أن نلمح أي طرف ٍ منه حتى ندرك بأن بصمة فرشاته مرت من هناك، في لوحاته المؤطرة بعبق الأصالة وفي لمسات منزله العامر بناءاً وهندسةً ديكور، وحتى في مقتنياته الشخصية، فليس من رأى كمن سمع، فكانت زيارتي والزميلات لبيته والإلتقاء بعائلته شيئا مختلفاً؛ وتجربة ثرية لا تنسى فاقت كل توقعاتي؛ فعندما تابعت لقاءه عبر قناة العربية مؤخرا في البرنامج الأميز روافد أو حتى من خلال سطور تكتب عنه هنا وهناك فلم أكتفِ بذلك فقط، فحرصت على الزيارة المباشرة، التي حضي فيها من معي وأنا بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، فالرزيزاء صادق في حبه لتراث أجداده وتناوله إياه كقضية اعتنقها منذ نعومة اظفاره التشكيلية؛ لذا كان وصوله للعالمية بتميز واحترافية، أهلته إلى تمثيل بلاده في العديد من المحافل الدولية، وحضيت أعماله بالتقدير كمقتنيات لدى العديد من الشخصيات محلياً ودولياً، فأبجديات التراث السعودي تحتل مكانتها باقتدار في أعماله؛ بتلك الصياغة الابداعية المتفردة على مساحات ذهنه كمبدع يترجمها بأسلوبه الخاص على مساحات بصرية بمعالجات شكلية ولونية أصيلة، يعشقها وتشدّ كل من تمرّ على ناظريه..

إذن فلا عجب أن أقول عنه بأنه "التشكيلي السعودي الأصيل".

0 التعليقات: