ظل أبيض
إضاءة على دواخلنا
حنان الهزاع
من أسوا الأمور أن يقع الإنسان في دوامة عدم الفهم لذاته؛ فيجهل دوافعه للحياة وتضيع أهدافه، وقد يختلط إحساسه بالنقص مع رغبته في الشهرة فتتشكل لديه النرجسية غير المقبولة، كما أنه من الأهمية بمكان لأي فنان تشكيلي على وجه الخصوص أن يدرك هذه الحقيقة، ذلك لأنه الشخص الذي يعتمد تماماً على علاقته مع عالمه الداخلي وعلى مخزونه من اللاشعور كذلك تراكمات خبرته البصرية لأجل صياغة إبداعاته، وبمقدار الصدق والصفاء في فهم الفنان لنفسه يكون التجلي البهي الذي يعطي العمل التشكيلي قيمته. وبجولة سريعة في تاريخ الجماعات الفنية ندرك تلك الحقيقة وبالتعمق أكثر في أحد اتجاهات الفن الحديث نلاحظ كيف أن جماعة دون أخرى تبنى أفرادها فكراً استوعبوه تماماً ودافعوا عنه وانضم إليهم عدد من الكتاب والأدباء منافحين عنهم، نظراً لوضوح هدفهم وسعيهم الدؤوب لتجسيد فلسفتهم على أرض الواقع، فخلد التاريخ ذكرهم وأصبحت أعمالهم التشكيلية من أهم نقاط التحول والعلامات الفارقة في تاريخ الفن.
أما الآن وفي زمن المعاصرة حيث تلاشت أغلب القيود الأكاديمية وزالت الحدود الفاصلة في تصنيف الفنون؛ تبقى الفكرة وحدها سيدة الموقف وهي التي تجعل للفنان مكانته وتصل به إلى العالمية، فصاحب العمل الفني يكون أو لا يكون بناء على المضمون الفكري الذي يحمله عمله، والذي بناه على أسس مستمدة من الحقيقة الصافية في داخله بعيداً عن التقليد، في حين قد يعمل البعض تفكيره فيما ليس من شأنه أن يساهم في تطويره تشكيلياً أو زيادة ثقافته البصرية والفكرية، مضيعاً بذلك وقته ومبتعداً عن الطريق الصحيح نحو النجاح التشكيلي، ومسيئاً لذاته التي كان بالإمكان أن تبدو أجمل فيما لو أعطاها قدرها دون إفراط ولا تفريط.
http://www.al-jazirah.com/20100831/cu8d.htm